العميل بين المفهوم الوطني والتوظيف السياسي

يعد تعريف العميل قضية شائكة لدى الشعب الأحوازي، ولا سيما لدى الطبقة المتثاقفة المهتمة بالشأن السياسي، مما أثار إشكالية في الوعي الجمعي الأحوازي. وما يزيد الطين بلة أن هذه الطبقة توظف مفهوم العميل وفقا لمصالحها الشخصية، وتعرِفه تبعا لأهوائها.
في الدراسات والبحوث الأمنية والاستخبارتية، يعرف العميل بأنه من يتم تجنيده أو يتطوع للتعاون سرا مع استخبارات أجنبية، لتوفير معلومات سرية أو تنفيذ مهام ميدانية، ضد مصالح بلاده وشعبه.
أما في سياق الصراعات الوطنية والاحتلالات، فيشير العميل إلى شخص ينتمي إلى شعب أو قومية واقعة تحت الاحتلال، ويتعاون مع الاحتلال ضد شعبه وقوميته. ويشمل هذا التعاون تزويد الاحتلال بالمعلومات الأمنية، أو تأييد سياساته، أو المشاركة في قمع الشعب والمقاومة.
وفي السياق المنطقي، يشير مصطلح العميل إلى شخصٍ يتعاون مع الاحتلال الإيراني، أو مع جهة لا تعترف بوجود الشعب الأحوازي وحقه في التحرر. وسواء أكان هذا التعاون أمنيا أو تنفيذيا أو إعلاميا أو سياسيا، فهو يحمل الدلالة ذاتها ويمثل شكلا من أشكال الخيانة.
أما في السياق الأحوازي، فإن الطبقة المتثاقفة توسع وتضيق تعريف العميل بحسب مصالحها وأهوائها.
ولذا، نرى أحيانا أن الشهيد أو الأسير أو المناضل يصنف كعميل، بينما يزكى العميل ويمنح صك الوطنية من قبل هذه الطبقة نفسها.
ويتضح هذا التلاعب في المفهوم من خلال بعض الأمثلة الصارخة، مثل:
- جاسم شديد زادة، المندوب السابق في البرلمان الإيراني وعضو لجنة “الوفاق”، الذي طالب علنا بتسليم قيادة “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” إلى النظام الإيراني لمحاكمتهم. وهو نموذج يتكرر في مئات – إن لم يكن آلاف – الأشخاص. فهل يعتبر هؤلاء عملاء أم شيء آخر؟
- كما أن توظيف تهمة العمالة سياسيا أصبح أداة لتصفية الخصوم، حيث اتهِمت قيادة حركة النضال العربي لتحرير الأحواز بالعمالة من قبل بعض أفراد الطبقة المتثاقفة، ثم تعرض بعضهم للاغتيال أو التحييد السياسي والإعلامي، في صفقات مشبوهة وإيران أحد أطرافها.
- وهناك من يحمل الهوية الأحوازية – كاوة أحمدي، عبدالخالق جرفي، أمير مزرعة – لكنه عضو فاعل منذ عقود في أحزاب ومنظمات إيرانية مثل مجاهدين خلق، لا تعترف أصلاً بوجود الشعب الأحوازي، ولا بحقوقه القومية والسياسية. فهل يعد هؤلاء وطنيين أم مجرد أذرع ثقافية وسياسية لايران؟
كل إنسان أحوازي يمكنه الإسهام في تشخيص العميل ورفضه، ما دام يقدم المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية أو الفئوية أو التنظيمية. أما الطبقة المتثاقفة، فلا يمكنها تشخيص العملاء، إذ إنها كانت بالأمس تعمل جنبا إلى جنب معهم في خدمة الاحتلال الإيراني. ولا يمكنها أن تساهم في صياغة مفهوم العميل، وهي التي تعاونت – ولا تزال – مع الاحتلال الإيراني بفروعه داخل الأحواز وخارجها.
من أراد تشخيص العملاء وفضحهم، فعليه أن يبدأ بمحاسبة نفسه، ثم الأقربين، ثم عامة الناس. فهذه المهمة تتطلب تضحية جسيمة وإيمانا راسخا بالقضية الأحوازية وبمطالب الشعب العادلة. فلا يمكن للإنسان في المهجر أن يميز العميل عن غيره، وهو أو أحد من عائلته لا يزال يحمل جوازا إيرانيا، ويتردد على أوكار التجسس الإيرانية في الخارج، ويسافر عبر المطارات الإيرانية. كما لا يمكن للإنسان الذي يعيش تحت رحمة الاحتلال الإيراني، ولا يدخل غرفة نومه إلا بإذن من عناصر المخابرات أو الحرس الثوري، أن يحدد من هو العميل.
بلا شك، إن الساحة الأحوازية – سواء في الداخل أو في المهجر – لا تخلو من العملاء، كما لا تخلو من المناضلين. ولكن، كيف يمكن التمييز بين هؤلاء وأولئك؟ إنها مهمة معقدة، ما دامت لا توجد مرجعية وطنية مستقلة تمثل الشعب الأحوازي وتقوده.
فالسؤال: كيف يمكن تشخيص العميل؟ ومن يتحمل مسؤولية تشخيصه؟
يبقى سؤالا صعب الإجابة عليه، مثل كثير من الأسئلة التي لا تزال بلا أجوبة حتى اليوم. ولا يمكن تشخيصه إلا بوجود مرجعية وطنية أحوازية تمثل الشعب الأحوازي، تصيغ مفهوم العميل ومحدداته، وتنشره بين الشعب، وتفرض مواجهة العملاء ومحاسبتهم عبر إقناعها للشعب .
ابراهيم مهدي الفاخر