مقالات

“علم الأحواز… دم على الطرقات وصمت على المنصات”

في عيد هذه السنة، تعرض نفران من الشبان لإصابات خطيرة أثناء حملهم العلم على متن دراجات نارية، وتم اعتقالهم. أما هذا الفيديو الذي يتم تداوله عبر المنصات، فيعود إلى قبل سنتين. مما يعني أن وحشية القمع الذي يمارسه النظام ضد المحاولات المدنية لإبراز الهوية لا تزال شرسة ووحشية.

في بلدة الكُورة التابعة لمدينة معشور، جنوب الأحواز، ارتُكبت جريمة جديدة تضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات التي يمارسها النظام الإيراني بحق أبناء الشعب الأحوازي. في أول أيام عيد الفطر، خرج مجموعة من الشبان على دراجات نارية في الشارع الرئيسي للبلدة، وهم يرفعون علم الأحواز بفخر في مشهد سلمي بسيط يحمل رمزية الانتماء والاحتفال بعيد مختلف تحت ظل القمع.

لكن هذه اللحظة لم تدم طويلاً، إذ طاردتهم سيارات تابعة للقوات الأمنية والحرس الثوري، وفتحت النار عليهم بشكل مباشر، دون تحذير أو محاولة اعتقال. كان الرصاص هو الرد الوحيد.

إن ما حدث لا يمكن وصفه إلا بعملية إعدام ميداني خارج القانون، تمثل انتهاكًا فاضحًا للحق في الحياة وحرية التعبير، وتكشف عن منهجية عنف لا تميز بين مراهق ورجل، بين رمز وتهديد. رفع العلم كان كافيًا ليُعاملوا كأعداء للدولة.

وتزداد فداحة الجريمة حين نضعها في سياق المقارنة. ففي تبريز، يُرفع علم إقليم أذربيجان الجنوبي بشكل علني في مدرجات الملاعب الرياضية، وتحديدًا في ملعب تبريز، بل وحتى في احتفالات قلعة بابك السنوية، دون أن يُقمع المشاركون أو يُستهدفوا بالرصاص. وفي كردستان، يُرفع علم الإقليم خلال احتفالات النوروز، وسط حضور شعبي ورسمي واسع، دون أن تواجه هذه المظاهر بالقوة.

لكن في الأحواز، المشهد مختلف تمامًا. كل محاولة للتعبير عن الهوية تقابل بالعنف الفوري، والرصاص، والدم. ما يعني أن القمع في الأحواز ليس مجرد سياسة أمنية، بل حقد سياسي واجتماعي مركب. ثبت اليوم، بما لا يدع مجالًا للشك، أن ما تتعرض له الأحواز من قمع يختلف جذريًا عن تعامل النظام مع باقي الأقاليم. فالكراهية تجاه كل ما هو أحوازي تبدو متجذرة في بنية النظام، وتحمل طابعًا تمييزيًا واضحًا.

إن هذه الجريمة تفرض على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أن تخرج عن صمتها، وأن تدين سياسة المعايير المزدوجة، ليس فقط من قبل النظام، بل أيضًا من قبل من يراقبون بصمت. إن استمرار استهداف الأحوازيين بسبب انتمائهم، وبسبب رفعهم لعلمهم، هو جريمة لا يجب أن تُغتفر أو تُطوى.

بلدة الكُورة اليوم أصبحت رمزًا لمرحلة جديدة في الوعي الأحوازي، ورمزًا لصمود شباب اختاروا الكرامة على الخوف. هؤلاء لم يحملوا سلاحًا، بل رفعوا رمزًا، لكنهم سقطوا ضحية نظام يرى في كل علم مختلف خطرًا يهدد سلطته.

ولن تُنسى هذه الدماء، ولن يُسكت هذا الصوت. الأحواز، رغم كل شيء، لا تزال تقاوم.

بقلم مديا احواز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى