بين الجهل والوضاعة: منع صور الأسرى الأحوازيين

في يوم الغد تستعد الجالية الأحوازية اوروبا، للخروج في مظاهرة حاشدة، كما جرت العادة في كل نيسان، رفضا للاحتلال الإيراني الغاشم، واحتجاجا على ممارساته القمعية ضد الشعب الأحوازي الأعزل. لقد غدت هذه المظاهرات علامة مضيئة في تقويم النضال الأحوازي، ومنبرا سنويا لرفع الصوت في وجه الظلم، غير أن ما يشوب هذه المظاهرة هذا العام ليس خطأ عابرا، بل انحراف خطير في البوصلة النضالية.
إذ في سابقة لا تليق بحراك تحرري ولا بتاريخ زاخر بالتضحيات الجسام، أصدر قرار بمنع رفع صور الأسرى الأحوازيين، وعلى رأسهم قادة حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، خلال المظاهرة في بروكسل. والأسوأ من ذلك، أن الجهة التي تقف خلف هذا القرار هي تنظيم أحوازي يدعي النضال والتضحية، ويتحدث بلغة التحرير وباسم الأحوازيين، بينما يمارس التهميش والتخوين والإقصاء بحق رفاق الكفاح وسجناء الشرف وأبناء جلدته.
فيا للعجب! كيف تقنع الجالية الأحوازية في المهجر، لا سيما من يتصدر منها المشهد السياسي، العالم بعدالة قضيتنا ووجاهة معاناتنا، وهي تقصي من ضحوا بحريتهم وسنوات عمرهم لأجلها؟! كيف يصدَق خطابنا للعالم، ونحن نخون أسرانا، ونطعنهم في ظهورهم، ونتنكر لبطولاتهم في أحلك الظروف التي يعيشونها؟
لقد بلغ الانحدار مداه، حينما، وبعد اعتقال قادة حركة النضال، لم تتضامن التنظيمات معهم، بل طلبت بعضها بإصدار بيانات إدانة وتخوين ضدهم! وفتح بعض الأحوازيين غرفا في تطبيق “كلوب هاوس” ليس لنصرتهم، بل للطعن فيهم، والتشمت بمأساتهم، وترويج التهم بحقهم، وكأنهم خصوم لا أبناء جلدتهم.
إن منطق الإنكار والهروب إلى الأمام هذا لا يخدم إلا الاحتلال الإيراني، ويحول ساحة العمل الوطني الأحوازي إلى حلبة صراعات داخلية مقيتة، تقضي على ما تبقى من وحدة الصف وصدق النية. فبدلا من توظيف ملف اعتقال القادة الأحوازيين في الدنمارك، كقضية رأي عام تحرك العواصم الأوروبية وتكشف اليد الإيرانية الخفية، نرى هذا الملف يدفن بقرار سياسي ضمني جبان، يقصي الرموز ويخلي الساحة لأصحاب الشعارات الجوفاء.
ما هكذا تصان التضحيات، ولا بهذا الشكل تدار القضايا الكبرى. لقد أصبحت الممارسات الإقصائية والانقسامية عنوانا لما يسمى اليوم بالساحة السياسية الأحوازية في المهجر، وهو سقوط لا يمكن إصلاحه بخطابات عاطفية أو مبادرات إعلامية، بل يتطلب ثورة داخلية أحوازية على مفاهيم الولاء الشخصي، والتمجيد الفارغ، والقيادة المحنطة.
إن رفض رفع صور الشهداء والأسرى لا يمسهم وحدهم، بل يهدم في وجداننا صورة القضية نفسها. فالأسرى هم صوتنا المكبوت، ومرآتنا في وجه العالم، وهم الورقة الأقوى في كشف ظلم النظام الإيراني وممارساته القمعية العابرة للحدود.
فحان الآن على الطبقة السياسية في المهجر والساسة المتصدرون للمشهد أن عودوا إلى رشدهم، وينزعوا ثياب الولاءات الضيقة، ويرفعوا صور من سجنوا لأجلهم ولأجل قضيتهم، ويتذكروا أن من لا ينصر أسراه، لن ينصره التاريخ، ولن تحترمه الشعوب.
ابراهيم مهدي الفاخر